ملفات ساخنة

جنبلاط والفدرالية ومستقبل مجلس الشيوخ: الدولة أولًا واحترام الدستور أساس

بقلم: د. هشام الأعور

عاد النقاش حول شكل الدولة اللبنانية ليحتل واجهة الجدل السياسي، بعد المواقف الأخيرة التي أطلقها النائب السابق وليد جنبلاط ضد الفدرالية، مقدّمًا نفسه في موقع المدافع عن “الدولة” ووحدتها. لكن أي دولة يمكن الدفاع عنها إن لم تكن دولة القانون؟ وأي وحدة يمكن صونها إذا كان الدستور نفسه مُعطَّلًا منذ ثلاثة عقود؟

المسألة اليوم لم تعد سجالًا بين من يؤيد الفدرالية ومن يرفضها، بل أصبحت امتحانًا لصدقية من يرفع شعار الدولة. فمن يدعو إلى حصر السلاح بيدها، واستعادة هيبتها، وحماية الصيغة اللبنانية القائمة على التعددية، عليه قبل كل شيء أن يبدأ بما هو بديهي: احترام الدستور وتطبيق الإصلاحات التي نصّ عليها اتفاق الطائف ولم تُنَفَّذ يومًا.

الدولة لا تُبنى بالشعارات… بل بتنفيذ الدستور

منذ عام 1990، بقيت البنود الأساسية في اتفاق الطائف معلّقة، وأبرزها المادة 22 التي تنص على:
استحداث مجلس شيوخ تمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية، بالتوازي مع انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي.

هذا البند ليس تفصيلًا تقنيًا، بل هو العمود الفقري لبناء دولة مدنية متوازنة تحفظ التعددية اللبنانية عبر مجلس الشيوخ، وتفتح الباب أمام حياة سياسية عابرة للطوائف عبر مجلس نواب وطني. ومع ذلك، بقي هذا الإصلاح منسيًا في الأدراج، في حين بقي السياسيون يتحدّثون عن “الدولة” من دون أن يحققوا شروط قيامها.

النقاش ليس فدرالية أو لا فدرالية… بل: هل نريد دولة بالفعل؟

من يرفض الفدرالية بحجة الدفاع عن الوحدة الوطنية، عليه أن يشرح:

كيف تُحمى الوحدة ونحن بلا مجلس شيوخ؟

كيف تُصان التعددية اللبنانية ونظام الحكم يعمل منذ 34 عامًا بنصف دستور؟

كيف يمكن المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، فيما الدولة نفسها ناقصة البنية الدستورية؟

المسألة ليست في المفاضلة بين مشاريع سياسية، بل في العودة إلى مشروع الدولة كما حدده الدستور. فحتى النقاش حول المركزية أو الفدرالية يصبح ثانويًا إذا استعاد لبنان قدرته على تطبيق الإصلاحات المتفق عليها. عندها وحدها تُختبر فعالية النظام الحالي أو الحاجة إلى نظام جديد.

استكمال الطائف: مسؤولية وطنية لا ورقة سياسية

إن استحداث مجلس الشيوخ ليس مطلبًا فئويًا ولا خيارًا سياسيًا ظرفيًا، بل هو الخطوة الجوهرية التي أرساها الميثاق الوطني الجديد. هو توازن بين خصوصيات الجماعات وحقوق المواطنة، بين الهوية التعددية وصناعة الدولة.

أي حديث عن الدولة يستثني هذه الخطوة هو حديث مبتور.
وأي طرف يرفض تنفيذها عمليًا، فيما يرفع شعارات السيادة والشرعية، إنما يتناقض مع نفسه.
فالشرعية لا تُبنى خارج الدستور، كما أن الوحدة لا تُحمى عبر شعارات تُطلق ثم تُنسى.

خاتمة: خيار الدولة يبدأ من احترام الدستور

من يريد أن يكون “خيار الدولة” عنوان معركته السياسية، فليبدأ من المكان الوحيد الذي يعطي هذا الشعار معنى:
تطبيق الدستور، بكل بنوده، وفي مقدّمها المادة 22، واستكمال مشروع الطائف كما هو.

كما أن السلاح لا يمكن أن يكون خارج الشرعية، كذلك الشرعية لا يمكن أن تكون خارج الدستور.
والصيغة اللبنانية لا يمكن أن تُصان بلا مجلس شيوخ، ولا يمكن أن تستعيد توازنها بلا إصلاحات الطائف.

أما بقية النقاشات حول الفدرالية أو النماذج البديلة، فهي تصبح تلقائيًا أقلّ إلحاحًا عندما تستعيد الدولة نفسها:
دولة قانون، دستور، مؤسسات، وتعددية مصانة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى